"خدمة التقارير والأبحاث" بريطانيا ـ الشريعة الإسلامية ـ تصريحات (خاص)
الثلاثاء 12 شباط (فبراير) 2008
بريطانيا: ردود فعل إسلامية متباينة من موقف كبير أساقفة الكنيسة الأنجليكانية حول الشريعة الإسلامية
لندن - خدمة قدس برس
(عادل الحامدي)
تباينت ردود فعل البريطانيين، مسلمين وغير مسلمين، إزاء الموقف الأخير لكبير أساقفة كانتربري، والتي رأى فيها أنه لا مفر من الاستعانة ببعض تعاليم الشريعة الإسلامية في المملكة المتحدة لمعالجة كثير من القضايا ذات الشأن بالأقليات المسلمة، وركز على القوانين ذات الصلة بالأحوال الشخصية.
فقد تصدى لهذه الدعوة كتاب ومثقفون بريطانيون، وخصصت لها وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية حيزا واسعا، اتجهت أغلبها في سياق انتقاد هذه الدعوة، ووصفها البعض بأنها تمرد شهم لكنه طائش، وهو انقسام انعكس أيضا على آراء المسلمين البريطانيين.
فقد انتقد رئيس رابطة أهل البيت العالمية الإسلامية الدكتور محمد الموسوي في تصريحات خاصة لـ "قدس برس" حملة الرفض البريطانية الواسعة لأطروحات كبير أساقفة الكنيسة الأنجليكانية، ووصفها بأنها "هستيرية وانفعالية ولا تنسجم مع روح بريطانيا المتعددة".
وقال: "لقد كانت دعوة الأسقف وليامز لتطبيق الشريعة الإسلامية واقعية وعقلانية، ومنسجمة مع مبادئ حقوق الإنسان من حيث احترامها للحريات الشخصية وحرية الاعتقاد، وهي دعوة مكملة لخطوة اقتصادية أولى اتخذتها المصارف البريطانية من حيث لجوئها إلى النظام الاقتصادي الإسلامي، فلماذا يتم الاعتراض على قوانين الأحوال الشخصية التي تهم المسلمين دون غيرهم؟، وأي خطر يمكن أن تشكله دعوات كهذه؟، هذا اعتراض انفعالي وهستيري يتجاهل طبيعة المجتمع البريطاني المتنوع، وكما أن الدولة تعترف للمسلمين بحقوقهم في المستشفيات والأماكن العام بأكل الطعام الحلال، فإن الأمر نفسه ينطبق على الأحوال الشخصية".
ووصف الموسوي موقف وليامز بأنه تاريخي، وقال: "هذا موقف تاريخي سيزيد من الانسجام بين مكونات المجتمع البريطاني، لأن قوانين الأحوال الشخصية أساسية في أي مجتمع، والاعتراض عليه لا يخدم هذه المصلحة. وأعتقد أن المستفيد الأول من معارضة هذه الدعوة هم الذين لا ينظرون إلى الإسلام نظرة منطقية، ويختزلون الشريعة في قطع الرؤوس والأيدي، وهذه دوائر معروفة بعدائها للإسلام وللمسلمين وتريد الإبقاء على حالة الظلم للمسلمين".
وأعرب رئيس رابطة أهل البيت العالمية عن تقديره الكبير لدعوة الأسقف البريطاني، لكنه كشف عن نوع من العتاب لبعض الأوساط الإسلامية التي عارضت هذه الدعوة، وقال: "لقد أبلغت رأيي المؤيد لدعوة كبير أساقفة الكنيسة الأنجليكانية ومعي 250 منظمة منضوية تحت لواء رابطة آل البيت الإسلامية العالمية، لكن مع الأسف بعض المسلمين يحاولون أن يظهروا التملق لبعض الدوائر غير الإسلامية، وعارضوا دعوة الأسقف وهي معارضة غير موفقة، ولذلك فإن المطلوب توسيع دائرة الحوار ليشمل المثقفين الكتاب بعيدا عن الإعلام الموجه الذي يعادي المسلمين ويظلمهم"، كما قال.
لكن أستاذ الدراسات الإسلامية في الجامعات البريطانية الدكتور طارق رمضان أعرب عن أسفه في تصريحات خاصة لـ "قدس برس" عن الفهم الخطأ لدعوة كبير أساقفة الكنيسة الأنجليكانية، ودعا إلى فهم دقيق للشريعة أولا وللقوانين الأوروبية ثانيا، قبل الدعوة لإيجاد قوانين خاصة بالمسلمين، وقال: "المسلمون لا يحتاجون قوانين خاصة بهم داخل القوانين المعمول بها في بريطانيا، وإنما أن يتم تطبيق القوانين المعمول بها على الجميع على قدم المساواة. وأنا لا أعتقد أن الأسقف وليامز دعا إلى تأسيس قوانين إسلامية موازية للقوانين المعمول بها في بريطانيا، فبعد البحوث الكبيرة التي أجريناها هنا في أوروبا وفي المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، نرى أننا لسنا في حاجة إلى قوانين خاصة بنا وإنما نطالب بتطبيق القوانين المعمول بها، لأننا في هذه القوانين مجالا واسعا لتطبيق الشريعة الإسلامية".
وأشار الدكتور رمضان إلى أنه يخشى أن تكون الدعوة إلى تأسيس قوانين إسلامية موازية للقوانين الأوروبية المعمول بها، هي دعوة لعزل المسلمين والتأكيد على أنهم غير قادرين على الاندماج الإيجابي وفق القوانين الأوروبية، وهذا أمر خاطئ ولا يخدم إلا المحافظين الجدد الذين لا يرون بإمكانية اندماج المسلمين في المجتمعات الغربية، ولهذا فإن المطلوب هو أن يتم تطبيق القوانين على الجميع بالتساوي، وضمن هذه القوانين الأوروبية توجد مساحة لليهود والمسيحيين والمسلمين أن يطبقوا شرائعهم"، كما قال.
يذكر أنه بموجب القانون البريطاني المعمول به حاليا فإن بإمكان طرفين حل نزاعاتهما أمام طرف ثالث طالما اتفقا عليه، وتقع محاكم الشريعة الإسلامية والمحاكم اليهودية "بيت الدين" ضمن هذا التعريف، كما يقول بذلك كتاب وإعلاميون بريطانيون.
وبرأي الأسقف وليامز فإن إعطاء الاعتبار اللازم لقوانين الشريعة الإسلامية سوف يحول دون ترك المسلمين في وضع يتحتم عليهم فيه الاختيار بين البديلين الصارخين: إما الولاء للدولة أو لثقافتهم الخاصة.