السلام عليكم شلونك شباب
ارض الســواد
(طالما الموضوع يخص العراق وتسميته بلرض السواد ..ارتأيته طرحه في هذا الباب ).
كلما شاهدت فتاة عراقية متشحة بالسواد قفزت الى ذاكرتي تسمية العراق بأرض السواد وأسبابها المبكرة جداً، فمنذ أقدم العصور أطلقت هذه التسمية على بلاد ما بين النهرين إذ كانوا يسمون العراق بارض السواد لكثرة نخيله الذي يبدو من بعيد أسودَ قاتماً وكأنهم أخذوا بنظر الاعتبار ما ستؤول اليه أحوال هذا البلد، إذ أصبح فعلاً متشحاً بالسواد لكن هذه المرة ليس لتزاحم نخيله حد العناق وانما لكثرة فتياته المتشحات بالسواد حزناً على فقد ذويهن في الحروب والانفجارات والموت اليومي،
ولكثرة شواهد الموت السوداء المعلقة على كل جدارٍ سلم من الانهيار سهواً وكذلك لكثرة ما علق من دخان الانفجارات على جدران المباني، كل هذا غيّر وجهة نظر التاريخ ليعتذر للحاضر ويعيد تسمية العراق بأرض السواد للأسباب الجديدة والمعاصرة التي رغم قساوتها وسوداويتها الا انها تحتفظ بشيء من الجمالية التي لا تخلو منها التسمية، فالفتاة العراقية التي تتشح بالسواد تبدو أكثر إشراقاً وملوحة وكأنها شمس يطوقها الظلام خصوصاً وهي تمارس أحزانها بكل ما أوتيت من أنوثة فتحاول أن تبدي جمالها من كوى الحزن الشفيف التي تتلألأ عيوناً سمراً لا ينعم الله بها الا للراسخات بالعراق والنخيل.
أكتب هذه الكلمات ونحن نقترب من شهر محرم الحرام الذي ربما نستطيع أن نلحقه بالأسباب آنفة الذكر لتسمية العراق بأرض السواد، فالعراقيون يرتدون الأسود لأربعين يوماً بلياليها حزناً على الإمام الحسين الشهيد وآل بيته (ع) وفي هذه المناسبة التي تتقد حزناً في كل عام يجدر بنا أن نتوقف أمامها لمراجعة أسباب هذا الحزن ومرجعياته ومدى صلاحيته، فقبل أيام كنت ضيفاً في أحد مضايف الجنوب وفي ليلة العيد تحديداً وكان من بين الحضور أحد خطباء المنبر الحسيني، اذ أخذ يطوح بطريقة تراجيدية ليبكي الجميع مذكراً إياهم بمصاب الامام الحسين (ع) وبعد أن انتهى اعترضت عليه.... إذ ليس من اللائق ا لبكاء في ليلة عيد المسلمين وقلت له لنؤجل هذا البكاء الى أيام عاشوراء لكنه رفض وبتأييد الجميع متحججاً بمقولة “كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء”.
هذه الحالة تتكرر في المجتمع العراقي وسط غياب حقيقي للوعي بقضية عاشوراء وبالمبادئ الانسانية التي ضحى من أجلها الامام الحسين (ع) الذي خرج “لا أشراً ولا بطراً وانما لطلب الاصلاح..” بكل أشكاله التي تتعلق بكل ز مان ومكان، وهنا تأتي ديمومة المقولة الكلية التي سبق ذكرها وتأتي كذلك شمولية الرسالة الاصلاحية التي أراد الحسين (ع) تكريسها في الواقع الانساني بشكل مطلق، فالقضية الحسينية ليست حكراً على أحد اطلاقاً والبكاء على مصاب الحسين (ع) ليس عاطفياً كما يحكي لنا الخطباء والرواة انما هو بكاء رسالي يجسد الرفض للظلم والقطيعة معه والتقاطع مع كل من يكرس الظلم والدكتاتورية في كل بقاع العالم لذلك سنتشح بالسواد حزناً واعتراضاً على هذا الواقع الأسود الذي حول العراق الى أرض السواد